لم يتعلم أحد اللاتينية كلغته الأولى، والقليل استخدمها شفهيا قبل انطلاق الثورة العلمية في أوروبا.
فالمعرفة كانت باللاتينية ولكن كل من استخدمها مثل ايرازموس كان بجانب لغات أخرى كانوا يستخدمونها في التواصل مع الخدم والعائلة والرعاة.
لقد اعتبرت اللغة اللاتينية ناقلة للفكر، وكانت تستخدم كجسر للتواصل اللغوي. وقد استبعدت لأنها تتطلب تعليما طويلا،
فيما اُستوردت أواخر القرن الثامن عشر داخل الأرثوذكسية الروسية كلغة علمية لأكاديمية سانت بطرسبرغ للعلوم الحديثة.
اللاتينية بدأت تنهار في أوروبا مع توسع الثورة العلمية
إن اللاتينية لم تكن اللسان الأصلي لدولة محددة، وكان بإمكان العلماء في انحاء أوروبا والمجتمعات العربية استخدامها بقدر مساو، إذ لا أحد يملك هذه اللغة.
لكن كل متعدد للغة يختار لغة تناسب الجمهور في المناقشة. فعند الكتابة لعلماء كيميائيين عالميين، استخدم السويديون اللاتينية، وعند المناقشة مع المهندسين اختاروا اللغة السويدية.
في القرن السابع عشر، بدأ هذا النظام بالتدهور في خضم ما كان يطلق عليه اسم ((الثورة العلمية)).
نشر غاليليو غاليلي اكتشافه لأقمار المشتري باللاتينية في Sidereus Nuncius عام 1610،
ولكن أعماله الرئيسية الأخيرة نشرت باللاتينية، وعندما سعى لمزيد من الجمهور المحلي لرعايته ودعمه قام بتغيير اللغات.
وقد ظهرت الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية لإسحاق نيوتن عام 1687 باللاتينية،
ولكن كتابه (البصريات) الذي صدر عام 1704كان بالإنجليزية وترجم للاتينية عام 1706.
بدأ العلماء في أنحاء أوروبا باستخدام مزيج من اللغات، وازدهرت الترجمة إلى اللاتينية والفرنسية لتمكين التواصل وتبادل المعلومات.
وفي نهاية القرن الثامن عشر ظهرت أعمال في الكيمياء والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء وعلم النبات على نحو متزايد باللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية،
وأيضا بالإيطالية والهولندية والسويدية والدانماركية، ولغات أخرى.
العلوم الحديثة نتاج لغات عصر النهضة
حتى الثلث الأول من القرن التاسع عشر اختار العديد من النخب المتعلم اللاتينية. كالعالم الرياضي الألماني كارل فريدريش غاوس الذي احتفظ بمذكراته العلمية إلى عام 1810
بنفس اللغة التي استخدمها القيصر غايوس يوليوس. ولذا ظهرت العلوم الحديثة نتاج تعدد لغات عصر النهضة.
كانت هناك مخاوف من كفاءة السلع في القرن التاسع عشر، وبدأت الصناعة الأوروبية بتغيير نظام تعدد اللغات القديم.
وقد بدت العديد من اللغات إسرافا: حيث تقضي جل وقتك في تعلم اللغات بالتدريج، حتى تقرأ أحداثا في الفلسفة الطبيعية، وأنت لن تقوم بأي بحث عنها.
في عام 1850بدأ علماء اللغة بحشر اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية، واحتل كل منها بنسب متساوية تقريبا اجمالي الإنتاج
على الرغم من أن كل علم له توزيع مختلف، وفي نهاية القرن كانت الألمانية المرشح الأوفر حظا في الكيمياء.
قام الشعراء والمثقفون بتغير اللغة العامة حتى أصبحت حملة الحداثة في القرن التاسع عشر عابرة للقارات, مع ازدهار الصناعة.
وقد واجه اللغويون تحديات كبيرة في التكيف مع الألسن المنطوقة لسكان الريف، وذلك للمطالبة بأدب عالمي وعلم طبيعي.
اللغة الروسية كانت المنافس الأخير للانجليزية
إن التقييم العالي لكفاءة العلوم قد روض المراحل الأولية إلى حد ما، ولم يكن هناك لغة مهمة سوى اللغة الروسية (إن لم تكن أقل) كلغة للعلوم المنتشرة.
اشتكى أنصار “اللغات الثانوية” باستمرار من الإقصاء، في حين تذمر متحدثين اللغات الثلاثة الكبار من الحاجة إلى تعلم اللغتين الأخريين.
بعد الحرب العالمية الثانية، دخلت المملكة المتحدة في المنافسة العلمية.
ثم أصبحت اللغة الروسية اللغة الثانية المهيمنة على اللغة العلمية في الخمسينات والستينات حيث كان ما نسبته 25% من إصدارات العالم باللغة الروسية،
أما اللغة الإنجليزية فكانت تغطي 60% من الإصدارات.
ولكن نسبة الإصدارات الروسية بدأت تنخفض في السبعينات كما أن العلماء أصبحوا يستخدمون اللغة الإنجليزية على نطاق عالمي.
لقد أخذت العلوم طابع اللغة الإنجليزية نتيجة عجز الامريكان أو رفضهم لتعلم اللغة الروسية،
إضافة لنظام العلم الأمريكي عبر المحيط الأطلسي للناطقين باللغة الإنجليزية ولغير الناطقين بالإنجليزية على حد سواء،
إضافة إلى أن رغبة الأوروبيين والأمريكيين اللاتينيين بتوحيد لغة المخاطبة نحو الانجليزية.
فمنذ أن أشاد اللغويون بهذا المجال توقفت هولندا، والدول الإسكندنافية، والأيبيريون عن النشر باللغة الفرنسية والألمانية وأصبحت اصداراتهم باللغة الإنجليزية.
وكان ينظر، وبشكل متناقض، للنشر بغير الإنجليزية على أنه مظهر من مظاهر الخصوصية ,
فلا أحد ينشر بالفرنسية وهو ليس ناطق بالفرنسية، ثم أجريت تعديلات على لألمانية.
و من ثم استمر اجيال من العلماء حول العالم بتعلم اللغة الإنجليزية، ولكن هذا التطور الغريب في تاريخ العلوم غالبا لم يسجل على أنه سياسي عميق.
وفي بدايات الثمانينات احتلت اللغة الإنجليزية إصدارات العالم في العلوم الطبيعية بنسبة 80% والان وصلت الى 99%.
واليوم أصبحت الإنجليزية لغة ذو أهمية للعلم، وذلك ببساطة لأن هناك قصورا ملحوظا في بقية اللغات تجاه العلم و العلماء.
اقرأ ايضاً: