كان اتصال العلوم ببعضها يتم بعدة لغات في الماضي. لكن اللغة الإنجليزية قد سيطرت على ذلك في الوقت الحالي. كيف حدث هذا؟ وما ثمن ذلك؟
إذا كنت تستطيع قراءة هذه الجملة، فباستطاعتك التحدث مع عالِمة. ربما ليس عن تفاصيل بحثها، لكنكما تتشاركان لغة عامة.
إن الأغلبية الساحقة من التواصل في العلوم الطبيعية مثل – الفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا- يتم اليوم باللغة الإنجليزية، في المطبوعات والمؤتمرات ورسائل البريد الإلكتروني والسكايب.
إن المعلومات التي تجول في قاعات البحث العلمي في كوالالمبور، اسطنبول، دبي إلى جانب العلوم المعاصرة كل ذلك أصبح بلغة واحدة،
فكل شخص يستخدم اللغة الإنجليزية سيستبعد لغة أخرى تقريبا.
قبل قرن من الزمان، كان غالبية الباحثين في العلوم الغربية يعرفون بعض الإنجليزية على الأقل،
لكنهم أيضا يقرأون ويكتبون ويتحدثون بالفرنسية والألمانية وبعض الأحيان بلغات ثانوية أخرى،
مثل: اللغة الروسية الناشئة حديثا أو الإيطالية التي تلاشت سريعا.
أهمية متعدد اللغات في العلم :
ربما تبدو شخصية متعدد اللغات للعلم الحديث في الماضي مفاجئة. هل هو أكثر فعالية من أحادي اللغة؟
كم سيستهلك من الوقت لتعلم قراءة وكتابة ثلاث لغات بالترتيب لتوليف اشتقاقات للبنزين!!
إذا كان كل واحد يستخدم نفس اللغة سيكون هناك احتكاك قليل ناجم عن الترجمة- كأقدمية النزاع حول من اكتشف أمرا لأول مرة،
وذلك عندما تظهر النتائج بلغات مختلفة- وأيضا سيكون هناك هدر أقل في طرق التدريس.
من خلال هذه النظرة، ستتقدم العلوم المعاصرة بنسبه مذهله وذلك بسبب تركيزنا على العلم بغض النظر عن الأشياء السطحية مثل اللغة.
يسهل الحفاظ على هذه المرحلة إذا كان المتحدث قد نشأ وهو يتحدث الإنجليزية، لكن هذه اللغة ليست اللغة الأم للغالبية العظمى من علماء اليوم.
إذا أخذنا بالاعتبار الوقت الذي يقضيه أكثرهم في تعلم اللغة، نجد أن هيمنة اللغة الإنجليزية ليست بفاعلية العلوم متعددة اللغات، بل هي بلا فعالية على نحو مختلف.
إن تعلم اللغات والترجمة مستمر على نطاق واسع، لكن ذلك لا يحدث في المملكة المتحدة، أستراليا، أو الولايات المتحدة. فقد أُزيل الفارق ولم يُسطّح.
إن علماء اليوم محاطون بمتحدثي الإنجليزية، والتحرك السريع، إلى جانب انخفاض ثورة البحث العلمي التي قللت من الذكريات الانضباطية.
هل العلوم على هذا النحو منذ الأزل؟
لا، لم يكن كذلك، العلماء الكبار هم من يستحضره على هذا النحو فقط.
يفترض العلماء أو الانسانيين في الغالب أن العلم بالإنجليزية قد استبدل الألمانية،
مسبوقة بالفرنسية ثم اللاتينية في مجد تجلى بداية فجر العلوم الغربية، والتي أدركوها باللغة اليونانية.
إن فهم تاريخ العلم كسلسلة من تحولات أحادية اللغة له جاذبية سطحية معينة. لكن هذا ليس صحيحا، ولم يكن كذلك أبدا.
يمكن أن نلاحظ، وعلى نحو لافت، وجود نظامين لغويين أساسيين في العلم الغربي وهما متعدد اللغات وأحادي اللغة.
وقد ظهر الأخير حديثا وبرز في العشرينات ليقهر نظام التعدد اللغوي القديم في السبعينات.
العلوم تتحدث الإنجليزية، لكن الجيل الأول الذي نشأ في نظام أحادي اللغة لازال موجودا.
لنفهم كيف حدث هذا التغير المهم، نحن بحاجة للبدء من القِدم.
ثورة الانجليزية في العلوم
في القرن الخامس عشر في أوروبا الغربية كان هناك مجالين من مجالات التعلم،
وهي: الفلسفة الطبيعية والتاريخ الطبيعي، والتي أصبحت تعرف في القرن التاسع عشر بمسمى “العلم الطبيعي”، قد كانت في أساسها مشاريعا متعددة اللغات.
هذا ما كان الحال عليه بغض النظر عن حقيقة أن لغة التعلم في أوجّ العصور الوسطى، وعصر النهضة كانت باللغة اللاتينية.
إن هذه الحالة الاستثنائية للغة اللاتينية لا تعارض نظام متعدد اللغات؛ بل تثبته.
لقد كان ذلك معلوما عند أيّ عالم نهضوي، أو فيلسوف سكولاستي للعصور الوسطى المتأخرة، بأن الفلسفة الطبيعية باللاتينية قد تمتعت بتاريخ يعود إلى أيام المجد الروماني.
(فقد كتب كلاّ من سيشرون و سينيكا أعمالا مهمة في هذا المجال). لكن هؤلاء العلماء والفلاسفة أنفسهم، علموا أن اللغة السائدة للمعرفة في العصور القديمة وحتى نهاية العصر الروماني لم تكن اللاتينية، بل الهلنستية اليونانية. وعلموا أيضا أن الكثير من علوم الفلسفة الطبيعية قد أُنجزت بالعربية أكثر من أي لغة كلاسيكية أخرى.
لقد أسهمت ترجمة الأعمال الفلسفية الطبيعية من العربية إلى اللاتينية بولادة نهضة العلم في الغرب، فقد كان في علم المثقفين أن العلم مشروع متعدد اللغات.
اقرأ ايضاً:
أهمية الانجليزية في البحث العلمي